أرقام تتعلّق باحتياطي النقد الأجنبي والتضخم وعجز الموازنة العامة والديون الخارجية والمحلية والادخار وعجز الأصول الأجنبية.
هناك 5 أرقام يجب التوقف عندها كثيراً لمعالجة تأثيراتها الخطيرة إذا ما أردنا إصلاحاً اقتصادياً ومالياً حقيقياً في مصر، ووقف النزيف في الاقتصاد القومي الناتج عن زيادة كلفة الاقتراض الخارجي والمحلي، وتوجيه الجزء الأكبر من موارد البلاد لسداد أعباء الديون.
وبالتالي ضياع فرص تحسين أوضاع الصحة والتعليم والاقتصاد والتشغيل والفقر والذي يتطلّب زيادة الانتاج وإقامة مصانع ومدارس ومستشفيات وطرق وغيرها من مشروعات البنية التحتية.
هذه الأرقام تتعلّق بالقيمة الحقيقية لاحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، وما إذا كان الرقم المعلن يمثل حائط صد حقيقياً أم مفتعلاً أمام الأزمات الاقتصادية والمالية المتوقعة.
كما تتعلّق بمعدل التضخم ورقم العجز المتوقع في الموازنة العامة للدولة، وما إذا كان هناك تحسن حقيقي أم وهمي، ومع الوهمي تغرق البلاد في مستنقع الديون الخارجية والمحلية.
كما تتعلق الأرقام بتراجع معدلات الادخار في المجتمع وعجز الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفي، والذي يتراكم يوماً بعد يوم بسبب تحميل البنوك مسؤوليات ربما ليست من مهام عملها، بل بمهام تؤديها نيابة عن السلطات القائمة وتخفيفاً للضغوط على البنك المركزي، كما تتعلق الأرقام أيضاً بالأموال الساخنة التي يتواصل هروبها من البلاد وانعكاس ذلك على سوق الصرف الأجنبي.
فيما يتعلق بالاحتياطي الأجنبي فإننا أمام رقم يقول إن قيمته بلغت 44.5 مليار دولار بنهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، وهو رقم مريح للاقتصاد المصري، سواء على مستوى سداد أقساط وأعباء الديون الخارجية، أو سداد فاتورة الواردات، أو صد أي عمليات مضاربة تستهدف العملة المصرية.
لكن في المقابل يظلّ رقم الاحتياطي غير حقيقي بل قد يساوي الرقم الحقيقي نحو 16 مليار دولار فقط، لأن الجزء الأكبر من الاحتياطي عبارة عن قروض خارجية، ويجب أن تخصم من الرقم قيمة الالتزامات المستحقة على البنك المركزي من ديون وودائع مساندة وسندات وغيرها.
وحسب أرقام البنك المركزي نفسه فإن صافي الأصول الأجنبية لديه تراجع إلى 15.361 مليار دولار بنهاية شهر نوفمبر 2018 مقابل 15.994 مليار دولار بنهاية أكتوبر/ تشرين الأول، وجاء التراجع نتيجة ارتفاع الالتزامات على البنك المركزي بالعملات الأجنبية إلى 28.314 مليار دولار بنهاية نوفمبر مقابل 27.676 مليار دولار بنهاية أكتوبر.
وإذا ما خصمنا حجم التزامات البنك المركزي من رقم الاحتياطي فإن الرقم يتراجع لأقل من النصف، بل ويتراجع لأقل من ذلك إذا ما خصمنا منه قيمة الذهب المدرج ضمن الاحتياطي.
وهنا على السلطات أن تبحث عن موارد ذاتية يتمّ من خلالها تغذية الاحتياطي الأجنبي، مثلاً تنشيط السياحة والصادرات وتحويلات المغتربين والاستثمارات الخارجية، مع الحدّ من الاقتراض الخارجي، خاصة بالنسبة للمشروعات التي لا تدرّ عائداً بالنقد الأجنبي لسداد قيمة الديون المستحقة.
ووضع مزيد من القيود على الواردات الاستهلاكية، خاصة تلك التي لها بدائل من الإنتاج المحلي، مع التذكير هنا أن أي هزة في الاحتياطي قد تهز معها الاقتصاد بالكامل وهو ما حدث في سنوات سابقة، وبالتالي يجب اعطاء هذا الملف أولوية لدى صانع القرار.
يرتبط بالرقم السابق المتعلق بالاحتياطي رقم الدين الخارجي والذي تجاوز المائة مليار دولار، وهو رقم ضخم بالنسبة للاقتصاد المصري، فرغم وعود الحكومة المتواصلة بالحد من هذه النوعية من القروض، تظل وتيرة الاقتراض متسارعة وعلى أشدّها، ولا تزال مشروعات كالعاصمة الإدارية الجديدة التي لن تدر عائداً بالنقد الأجنبي تقترض من الخارج.
وحسب توقعات المجموعة المالية هيرميس، من أكبر بنوك الاستثمار في المنطقة، فإن الديون الخارجية لمصر سترتفع بنحو 10 مليارات دولار في 2019.
كما توقع بنك الاستثمار بلتون في تقريره السنوي أن يواصل الدين الخارجي ارتفاعه ليصل إلى 107 مليارات دولار بنهاية العام المالي الحالي، مقابل 92 مليار دولار في العام المالي السابق، لتمويل فجوة تمويلية تبلغ 11.3 مليار دولار.
وربما يتجاوز الاقتراض الخارجي خلال العام الجاري رقم هيرمس مع إعلان الحكومة عن اقتراض 7 مليارات دولار في الربع الأول من العام الجاري، والحصول على شريحتين من قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 4 مليارات دولار في يناير/ كانون الثاني ويوليو/ تموز.
بالإضافة إلى القرض السعودي المخصص لتمويل شراء مشتقات نفطية، وكذا الحصول على قروض مباشرة من البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية وصناديق عربية وغيرها.
ولا نعرف بعد هل ستسدد القروض المستحقة لدول مثل الصين (2.75 مليار دولار) أم سيتم تأجيلها كما حدث في العام الماضي، وكذلك موقف الديون المستحقة لبعض دول الخليج.
ومع توقعات زيادة مجلس الاحتياط الفيدرالي ( البنك المركزي الأميركي) سعر الفائدة على الدولار مرتين خلال العام 2019، فإن هذا يشكل عبئاً إضافياً على كلفة الاقتراض الخارجي لمصر.
ومع زيادة القروض الخارجية للبلاد فإن الإيرادات العامة تصبح رهينة للمؤسسات المالية الدولية، وبدلاً من أن توجه إيرادات الدولة لتمويل مشروعات خدمية واستثمارية تعود بالنفع على المواطن والاقتصاد، فإنها توجّه لسداد أعباء الديون ومستحقات الدائنين، وهنا يتم تخيير المواطن بين سداد هذه الأعباء أو خفض الأسعار وبناء المدارس.
بدءاً من منتصف العام الماضي يسجل مستوى صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي المصري عجزاً متواصلاً كما كان عليه الحال قبل تعويم الجنيه المصري في نوفمبر 2016.
إذ كان البنك المركزي يحمل البنوك في ذلك الوقت مسؤولية تدبير نقد أجنبي للمستوردين والمستثمرين من دون تغطية هذه الالتزامات، وهو ما كان يطلق عليه وقتها بأزمة الطلبات المعلقة، واستمرت هذه الأزمة حتى بعد تعويم الجنيه وتغطية البنك المركزي الطلبات المعلقة.
وتشير الأرقام إلى أن البنوك غطت خروج نحو 8 مليارات دولار من استثمارات الأجانب، خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما أدى إلى عجز في أصولها الأجنبية بقيمة 3.9 مليار دولار في سبتمبر/أيلول فقط.
وبنظرة لأرقام البنك المركزي نجد أن البنوك حققت عجزاً متواصلاً طوال 16 شهراً منذ نوفمبر 2015 وحتى إبريل/ نيسان 2017 لأسباب تتعلّق بخروج نحو 11 مليار دولار أموالاً ساخنة من السوق المصرية في الفترة من مارس/ آذار وحتى نوفمبر/تشرين الثاني الماضيين.
وبنظرة لأحدث أرقام صادرة عن البنك المركزي المصري نجد أن عجز الأصول الأجنبية لدى البنوك ارتفع بشكل متواصل، ليصل إلى 7.322 مليارات دولار بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مقابل نحو 5.5 مليارات دولار بنهاية أكتوبر/تشرين الأول، بزيادة 1.822 مليار دولار.
ومقابل العجز في الأصول لم تستطع البنوك جذب موارد دولارية ضخمة من عملائها لتغطيته، فقد سجلت ودائع العملات الأجنبية بالبنوك نحو 40.939 مليار دولار بنهاية نوفمبر/ تشرين الثاني مقابل 40.892 مليار دولار بنهاية أكتوبر/ تشرين الأول، بزيادة 47 مليون دولار فقط.
وهذا الرقم يقلّ عن أسعار الفائدة الممنوحة على هذه الودائع، أي أن الودائع الدولارية تتناقص، بل وأظهر تقرير حديث للبنك المركزي تراجع الودائع الجارية بالعملات الأجنبية لتسجل 8.176 مليارات دولار مقابل 8.264 مليارات بنهاية أكتوبر/ تشرين الأول.
الرقم الرابع يتعلّق بتفاقم عجز الموازنة العامة للسنوات المقبلة مخالفة وعود حكومية أعلنتها قبل سنوات وجددتها مع بدء تطبيق ما اطلق عليه اسم برنامج الاصلاح الاقتصادي.
ورغم زيادة الاقتراض المحلي والخارجي وارتفاع الإيرادات العامة وفرض الحكومة مزيداً من الضرائب والرسوم ووعود متواصلة بخفض هذا العجز إلا أن الأرقام تشير إلى أن العجز يتفاقم يوماً بعد يوم.
مثلاً توقع بنك الاستثمار بلتون مؤخراً ارتفاع فاتورة خدمة الدين لتبلغ 631 مليار جنيه في العام المالي الحالي، وهو ما يشكّل عبئاً شديداً على إيرادات الدولة، نظراً لارتفاعه بنحو 193 مليار جنيه عن العام الماضي، وزيادته عن المبلغ المقرر في الموازنة العامة عند 541 مليار جنيه.
وكشف تقرير الأداء المالي للموازنة العامة المصرية، عن زيادة الإنفاق على فوائد الديون لتصل إلى 178.2 مليار جنيه (9.9 مليارات دولار)، خلال الفترة من أول يوليو/تموز وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2018.
وهنا يصبح هدف خفض عجز الميزانية بشكل عام والذي وعدت به الحكومات مرات أمر صعب المنال، وتصبح إيرادات الموازنة رهينة للديون لا لخدمة المواطن.
على الرغم من تراجع معدل التضخم السنوي إلى 15.6% خلال شهر نوفمبر الماضي، إلا أن المعدل لا يزال أعلى من معدل ما قبل تعويم الجنيه المصري في نوفمبر 2016.
يشكل التضخم الحالي تحديا أمام صانع السياسة النقدية والمالية والاقتصادية، فهو لا يشجع على خفض أسعار الفائدة وخفض الدين العام، ولا يشجع على جذب استثمارات خارجية، وبالتالي يجب العمل على كبح هذا التضخم.